فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة

فيهـا فـي المحـرم ورد الخبـر بوفـاة الشيـخ علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي المحـدث الدمشقـي بخليـص مريـداً للحـج رحمـه اللـه تعالـى كـان حسن الأخلاق كثير الموافاة للناس محبوبـاً إليهـم ولـه تصانيـف فـي الحديـث والتاريـخ والشـروط وكـان حسـن الـأداء كثيـر البكاء‏.‏

في حال قراءة الحديث فصيحاً رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في المحرم بلغنا شنق ابن المؤيد شرف الدين أبي بكر الواعظ المحتسب نائب الوكالـة باللاذقية خافوا بطرابلس من طول لسانه واتصاله بأعيان المصريين وقامت عليه بينة بألفاظ تقتضي انحلال العقيدة فحملوا عبد العزيز المالكي قاضي القدموس على الحكم بقتله وشارك في واقعته القاضي جلال الدين عبد الحق المالكي قاضي اللاذقية فتعب القاضيان بجريرتـه وقاسيا شدائد‏.‏

وفيها في صفر وردت البشارة بقبض الملك الناصر على النشو شرف الدين القبطي الأصل وأنه وأخاه رزق الله تحت العقوبة ثم قتل أخوه نفسه وأوقدت لهلاكهما الشموع بالقاهرة كان النشو قد قهر أهل القاهرة وبالغ في الطرح والمصادرة فعظمت به المصيبة وقتل خلقاً تحت العقوبة فأتى الناس في هلاكه بيوت المسألـة مـن أبوابهـا وبنـت الأوتـاد نظـم الدعـوات علـى أسبابها وطلبوا لبحر ظلمه المديد مـن اللـه خبنـاً وبتـراً فـدارت الدوائـر عليـه بهـذه الفاصلـة الكبرى‏.‏

قلت‏:‏ النشـو لا عـدل ولا معرفه قد آن للأقدار أن تصرفـه من أتلف الناس وأموالهم يحق للسلطان أن يتلفـه وفيـه قـدم الأميـر المكـاس الغشوم - لؤلؤ القندشي - إلى حلب منفياً من مصر بلا إقطاع‏.‏

وفيه عزل قاضي القضاة بحلب زين الدين عمر البلفيائي عنها لوحشة جرت بينه وبين طرغاي نائب كان والله عفيفاً نزهاً وله عرض عريض ما اتهم وهـو لا يـدري مـداراة الـورى ومـداراة الهـوى أمـر مهـم وفيها في ربيع الأول غزل الأمير صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار عن الشد على المال والوقف بحلب ونقل إلى طرابلس فضاق طرغاي من جبرته فعمل عليه وكان قد عزم على تحرير الأوقاف بحلب فما قدر قلت‏:‏ لقد قالت لنا حلب مقالاً وقـد عـزم المشـد علـى الـرواح إذا عم الفساد جميع وقفي فكيف أكون قابلة الصلاح وفيهـا فـي جمـادى الآخـرة ولـي القاضـي برهـان الدين إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الرسعني قضاء الشافعية بحلب بذل لطرغاي نائبها مالاً فكاتب في ولايته وهو أول من بذل في زماننا على القضاء بحلب وكان القضاة قبله يخطبون ويعطون من بيت المال حتى بلوا ولذلك لم يصادف راحة في ولايته ويعجبني قول القائل‏:‏ فلـان لا تحزن إذا نكبت واعرف ما السبب فما تولى حاكم بفضة إلا ذهب وفيها توفي طقتمر الخازن نائب قلعة حلب كانت تصدر منه في الدين ألفاظ منكرة واشترى مـا حـل فيهـا زحـل إلا لنحـس المشتـري فانعدمت صورته من شؤم تلك الصور وخلف مالاً طائلاً‏.‏

وفيها في شعبان توفي الخليفة أبو الربيع سليمان المستكفي بالله في قوص وقد أخرج إلى الصعيد سنة ثمان وثلاثين وخلافته تسع وثلاثون سنة ولله قولي على لسانه‏:‏ مثلي يعيش بالموت ويبلغ المنى بالفوت إلى كم لهم العيشة الرطبة ولي مجرد الخطبة فلهم الملـك الصريـح ولسليمان الريح‏:‏ أحمـد اللـه الـذي جنبني كلف الملـك وأمـراً صعبـاً لـم أجد للملك ماء صافياً فتيممت صعيداً طيبـاً وفيها بعد موت المستكفي بويع بالخلافة أبو إسحاق إبراهيم ابن أخي المستكفي‏.‏

وفيها كان الحريـق بدمشـق وذهبـت فيـه أمـوال ونفـوس واحترقت المنارة الشرقية والدهشة وقيسارية القواسين وتكرر وأفرت طائفة من النصارى بدمشـق بفعلـه فصلـب تنكـز منهـم أحـد عشـر رجـلاً ثـم وسطـوا بعـد أن أخـذ منهم ألف ألف درهم وأسلم ناس منهم وبيعت بنت الملين بمال كثير فاشتراها تنكز وعملت المقامة الدمشقية في هـذا المعنـى وسميتهـا صفـو الرحيـق فـي وعادت دمشق فوق ما كان حسنها وأمست عروساً في جمال مجدد وقالت لأهل الكفر موتوا بغيظكم فمـا أنا إلا للنبي محمد ولا تذكروا عندي معابد دينكم فمـا قصبـات السبـق إلا لمعبـد وفيها في ذي الحجة باشر القاضي ناصر الدين محمد ابن الصاحب شرف الدين يعقوب كتابة السر بحلب وسررنا به‏.‏

وفيه قبض على تنكز نائب للشام وأهلك بمصر‏.‏

رسـم السلطـان لطشتمـر حمص أخضر وكان نائباً بصفد أن يأتيه من حيث لا يحتسب ويقبـض عليـه مـا أشبه تمكنه عند السلطان الملك الناصر إلا بجعفر عند الرشيد والرشيد أضمر إهلاك جعفر ست سنين حتى قتله والملك الناصر أضمر إهلاك تنكز عشر سنين وهو يخوله ويعظمه وينعم عليه وفي قلبه له ما فيه حتى قبض عليه وكان تنكز عظيم السطوة شديد الغضب قتل خلقاً منهـم‏:‏ عمـاد الديـن إسماعيـل بـن مـزروع الغوعـي نائـب فحليـس بدمشـق وعلي بن مقلد حاجب العرب والأميـر حمـزة رمـاه بالبنـدق ثـم أهلكـه سـراً وغيرهـم‏.‏

ولـه بدمشق والقدس وغيرهما آثار حسنة وأوقاف وقتل أكثر الكلاب بدمشق ثم حبس الباقي وحال بين إناثها وذكورها ولما استوحش من السلطان عزم على نكثه من جهة التتر وأخذ السلطـان مـن أموالـه ما يفرق الحصر زعم بعضهم أنه يقارب مال قارون وكان قبل ذلك قد تبرم من نقيق الضفادع فأخرجها من الماء فقال بعض الناس فيه‏:‏ تنكر تنكـز بدمشـق تيهـاً وذلك قـد يـدل علـى الذهـاب وقالـوا للضفادع ألف بشرى بميتتـه فقلـت وللكلـاب وتولى دمشق بعده الطنبغا الحاجب الصالحي كان تنكز قد سعى عليه حتى نقل من نيابة حلب إلى نيابة غزة فأورثه الله أرضه ودياره‏.‏

وفيهـا بعـد حادثـة تنكـز عوقـب أميـن الملـك عبـد اللـه الصاحـب بدمشق واستصفي ماله ومات تحت العقوبة قبطي الأصل وكان فيه خير وشر ووزر بمصـر ثلـاث مـرات وفيـه يقـول صاحبنا الشيخ جمال الدين ابن نباتة المصري‏:‏ لله كم حال امـرئ مقتـر قصيـت فـي القدس بتنفيسه كم درهم ولى ولكنه قـد أخـذ الأجر على كيسه وقال فيه أيضاً‏:‏ روت عنك أخبار المعالي محاسن كفت بلسان الحال عن السن الحمد فوجهك عن بشر وكفك عن عطا وخلقك عن سهل ورأيك عن سعد فيها في المحرم وسط بدمشق - طغية وجنغية - من أصحاب تنكز وكانا ظالمين‏.‏

وفيها غزل طرغاي عن حلب وكان على طمعه يصلي ويتلو كثيراً‏.‏

وفيها توفي الشيخ محمد بن أحمد بن تمام زاهد الوقت بدمشق‏.‏

وتوفي الملك الوك ابن الملك الناصر وكان عظيم الشكل‏.‏

وفيها ضربت رقبة عثمان الزنديق بدمشق على الإلحاد والباجر بقية سمع منه من الزندقة ما لم يسمع من غيره لعنه الله‏.‏

وتوفي الأمير صلاح الدين يوسف ابن الملك الأوحد وكان من أكابر أمراء دمشق ومن بقايـا أجـواد بنـي شيركـوه وكـان تنكـز علـى شممـة بدمشـق ينـزل إلـى صيافتـه كـل سنة فينفق على ضيافة تنكز نحو ستين ألف درهم‏.‏

وفيها توفي السلطان الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي رحمه الله تعالى وله ستون سنة بعد أن خطب له ببغداد والعراق وديار بكر والموصل والروم وضرب الدينار والدرهم هناك باسمه كما يضرب له بالشام ومصر وحج مرات وحصل لقلوب الناس بوفاته ألم عظيم فإنه أبطل مكوساً وكان يستحيي أن يخيب قاصديه وأيامه أيام أمن وسكينة وبنى جوامع وغيرها لولا تسليط لؤلؤ والنشر على الناس في آخر وقته وعهد لولده السلطان الملك المنصـور أبـي بكـر فجلـس علـى الكرسـي قبـل مـوت والـده وضربت له البشائر في البلاد‏.‏

ولي من تهنئة وتعزية في ذلك‏:‏ ما أساء الدهـر حتـى أحسنـا رق فاستدرك حزنـاً بهنـا بينما البأسـاء عمـت مـن هنـا وإذا النعمـاء عمت من هنا فبحق أن يسمى محزنـاً وبصـدق حيـن يدعـى محسنا فلئن أوحشنا بدر السما فلقد آنسنا شمـس السنـا علماً أبدله مـن علـم ظاهر الإعراب مرفوع البنا فجزى الله بخير من نأى ووقـى مـن كـل ضبـر من دنا أجل والله لقد أساء الدهر وأحسن وأهزل وأسمن وأحزن وسـر وعـق وبـر إذ أصبـح الملـك وباغه بفقد الناصر قاصراً قد ضعفت أركانه ومات سلطانه فماله من قوة ولا ناصر فأمسى بحمد الله وقد ملأ القصور بالمنصور سروراً وأطاعه الدهر وأهله فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً‏.‏

وفيها ورد إلى حلب زائراً صاحبنا التاج اليماني عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد اللـه النحـوي اللغـوي الكاتـب العروضـي الشاعـر المنشـئ وجرت معه بحوث منها مسألة نفسية وهـي‏:‏ مـا لو قال له‏:‏ عندي اثنا عشر درهماً وسدساً كم يلزمه فاستبهمت هذه المسألة على الجماعة فيسر الله لي حلها فقلت‏:‏ يلزمه سبعة دراهم إذ المعنى اثنا عشر دراهم وأسداساً فيكون النصف دراهم وهي ستة دراهم والنصف أسداساً وهـي ستـة أسـداس بدرهـم فهذه سبعة‏.‏

ولو قال اثنا عشر درهما وربعاً لزمه سبعة ونصف‏.‏

ولو قال اثنا عشر درهما وثلثاً لزمه ثمانية أو ونصفا فتسعـة وهكـذا‏.‏

وممـا أنشدنـي لنفسـه قوله‏:‏ تجنب أن تذم بك الليالي وحاول أن يذم لك الزمان ولا تحفـل إذا كملت ذاتاً أصبت العـز أم حصـل الهـوان بخلت لواحـظ مـن أتانـا مقبـلاً بسلامها ورموزهـن سلـام فعـذرت نرجـس مقلتيـه لأنها تخشـى العـذار فإنـه نمام وفيها نقل طشتمر حمص أخضر من نيابة صفد إلى نيابة حلب‏.‏

وفيها في ذي الحجة وصل إلى حلب الفيل والزرافة جهزهما الملك الناصر قبل وفاته لصاحب ماردين‏.‏

وفيها فتح علاء الدين أيدغدي الزراق ومعه بعض عسكر حلب قلعة خندروس من الروم كانت عاصية وبها أرمن وتتر يقطعون الطرقات‏.‏

وفيهـا صلي بحلب صلاة الغائب على الشيخ عز الدين عبد المؤمن بن قطب الدين عبد الرحمن ابن العجمي الحلبي توفي بمصر وكان عنده تزهد وكتب المنسوب‏.‏

وفيهـا توفـي بإياس نائبها الأمير علاء الدين مغلطاي الغزي تقدمت له نكاية في الأرمن ونقل إلى تربته بحلب‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

في المحرم منها بايع السلطان الملك المنصور أبو بكر الملك الناصر الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان كان قد عهد إليه والده بالخلافة فلم يبايع في حياة الملك الناصر فلما ولي المنصور بايعه وجلس معه على كرسي الملك وبايعه القضاة وغيرهـم‏.‏

وفيهـا فـي صفـر توفـي شيـخ الإسلـام الحافـظ جمـال الدين يوسف ابن الزكي عبد الرحمن بن المزي الدمشقي بها منقطع القرين في معرفة أسماء الرجال مشاركاً في علوم وتولى مشيخة دار الحديث بعده قاضي القضاة تقي الدين السبكي‏.‏

وفيها في صفر خلع السلطان الملك المنصور أبو بكر ابن الملك واحتج عليه قوصون الناصري ولـي نعمـة أبيـه‏.‏

بحجـج ونسـب إليـه أموراً وأخرجه إلى قوص إلى الدار التي أخرج الملك الناصر والده الخليفة المستكفي إليها جزاءً وفاقاً ثم أمر قوصون والي قوص فقتله بها وأقام في الملك أخاه الملك الأشرف كجك وهو ابن ثمان سنين فقلت في ذلك‏:‏ سلطاننا اليوم طفل والأكابر في خلف وبينهم الشيطان قد نزغا وكيف يطمع من مسته مظلمة أن يبلغ السؤل والسلطان ما بلغا وفيها في جمادى الآخرة جهز قوصون مع الأمير قطلبغا الفخـري الناصـري عسكـراً لحصـار السلطان أحمد ابن الملك الناصر بالكرك وسار الطنبغـا نائـب دمشـق والحـاج أرقطـاي نائـب طرابلس بإشارة قوصون إلى قتال طشتمر بحلب لكون طشتمر أنكر على قوصون ما اعتمده في حق أخيه المنصور أبي بكر ونهب الطنبغا بحلب مال طشتمر وهرب طشتمر إلى الروم واجتمع بصاحب الروم أرتنا ثم إن الفخري عاد عن الكرك إلى دمشق بعد محاصرة أحمد بها أيامـاً وبعـد أن استمـال الناصـر أحمـد الفخـري فبايعـه ولما وصل الفخري إلى دمشق بايع للناصر من بقي من عسكر دمشق المتأخرين عن المضي إلى حلب صحبة الطنبغا‏.‏

هذا كله والطنبغا ومن معه بالمملكة الحلبية‏.‏

ثم سار الفخري إلى ثنية العقاب وأخذ من مخزن الأيتام بدمشق أربعمائة ألف درهم وكان الطنبغـا قـد استـدان منـه مائتـي ألـف درهم وهو الذي فتح هذا الباب ولما بلغ الطنبغا ما جرى بدمشق رجع على عقبه فلما قرب من دمشق أرسل الفخري إليه القضاة وطلب الكف عن القتال في رجب فقويت نفـس الطبنغـا وأبـى ذلـك وطـال الأمـر علـى العسكـر فلمـا تقاربـوا بعضهم من بعض لحقت ميسرة الطنبغـا بالفخـري ثـم الميمنـة وبقـي الطنبغـا والحـاج أرقطـاي والمرقبي وابن الأبي بكري في قليل من العسكر فهرب الطنبغا وهؤلاء إلى جهة مصر فجهز الفخري وأعلم الناصر بالكرك‏.‏

وخطب للناصـر أحمـد بدمشـق وغـزة والقـدس فلمـا وصـل الطنبغـا مصـر وهـو قـوي النفـس بقوصون قدر الله سبحانه تغير أمر قوصون وكان قد غلب على الأمر لصغر الأشرف فاتفق أيدغمش الناصري أمير أخور ويلبغا الناصري وغيرهما وقبضوا على قوصون ونهبـت ديـاره واختطـف الحرافيـش وغيرهـم مـن دياره وخزائنه من الذهب والفضة والجواهر والزركش والحشر والسروج والآلات ما لا يحصى لأن قوصون كان قد انتقـى عيـون ذخائـر بيـت المـال واستغنى من دار قوصون خلق كثير وقتل على ذلك خلق وأرسلوا قوصون إلى الإسكندرية وأهلك بها‏.‏

وقبضوا على الطنبغا وحبسوه بمصر ولما بلغ طشتمر بالروم مـا جـرى رجـع مـن الـروم إلـى وفيها في شهر رمضان سافر الملك الناصر أحمد من الكرك فوصل مصر وعمل أعزية لوالده وأخيه وأمر بتسمير والي قوص لقتله المنصور‏.‏

وخلع الأشرف كجك الصغير وجلس الناصر على الكرسي هو والخليفة وعقد بيعته قاضي القضاة تقي الدين السبكي ثم أعدم الطنبغا والمرقبي‏.‏

وفيها كسر حسن بن ممرتاش بن جوبان من التتر طغاي بن سوتاي في الشرق وتبعه إلى بلد قلعة الروم فاستشعر الناس لذلك‏.‏

وفيهـا عـزل الملـك الأفضـل محمـد ابن السلطان الملك المؤيد صاحب حماة والمعرة وبارين وبلادهن ونقل إلى دمشق من جملة أمرائها‏.‏

تغيرت سيرة الأفضل وما كان فيه من التزهد قبل عزله وحبس التاج ابن العز طاهر بن قرناص بين حائطين حتى مات وقطع أشجار بستانه وظهر في الليل من بعض أعقاب أشجار البستان التي لمعت نور فما أفلح بعد ذلك‏.‏

وتولى نيابة حماة بعده مملوك أبيه سيف الدين طقزتمر‏.‏

وفيها عزل عن قضاء الحنفية بحماة القاضي جمال الدين عبد الله بن القاضي نجم الدين بن العديم وتولى مكانه القاضي تقي الدين محمود بن الحكم‏.‏

وفيها أهلك طاجار الدواتدار وكان مسرفاً على نفسه‏.‏

وفيها توفي الأفضل صاحب حماة بدمشق معزولاً ونقل إلى تربتـه بحمـاة فخـرج نائبهـا للقـاء تابوته وحزن عليه وحلف أنه ما تولى حماة إلا رجاء أن يردها إلى الأفضل مكافأة لإحسان أبيه‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي القاضي برهان الدين إبراهيم الرسعني قاضي الشافعية بحلب وكان متعففاً ويعرف فرائض رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في جمادى الأولى أيضاً عوقب لؤلؤ القندشى بدار العدل بحلب حتى مات واستصفى ماله وشمت به الناس‏.‏

قلت‏:‏ يا لؤلؤ قد ظلمت النـاس لكـن بقدر طلوعك اتفق النزول كبـرت فكنـت في تاج فلما صغرت سحقت منه كل لولـو وفيهـا توفـي الأمير بدر الدين محمد بن الحاج أبي بكر أحد الأمراء بحلب كان من رجال الدنيا وله مارستان بطرابلس وارتفع به الدهر وانخفض ودفن بتربة جامع أنشأه بحلب بباب أنطاكية‏.‏

وفيها توفي الخطيب بدر الدين محمد ابن القاضي جلال الدين القزويني خطيب دمشق وتولى السبكـي الخطابـة وجـرى بينـه وبيـن تـاج الديـن عبـد الرحيم أخي الخطيب المتوفي وقائع وفي آخر الأمر تعصبت الدماشقة مع تاج الدين فاستمر خطيباً‏.‏

وفيها في شهر رمضان وصل القاضي علاء الدين علي بن عثمان الزرعي المعروف بالقرع إلـى حلـب قاضـي القضاة ولاه الطاغية الفخري بالبذل فاجتمع الناس وحملوا المصحف وتضرروا من ولاية مثله فرفعت يده عن الحكم فسافر أياماً ثم عاد بكتب فما التفتوا إليها فسافر إلى مصر وحلب خالية عن قاضي شافعي‏.‏

وفيها في شوال عم الشام ومصر جراد عظيم وكان أذاه قليلاً‏.‏

وفيها في ذي الحجة وصل أيدغمش الناصري إلى حلب نائباً بها في حشمه عظيمة وأحسن وعدل وخلع على كثير من الناس وأقام بحلب إلى صفر ثم نقل إلى نيابة دمشق وتأسـف الحلبيون لانتقاله عنهم‏.‏

قلت‏:‏ يعـرف مـن تقبلـه أرضنـا من لزم الأوسط من فعله لا تقبل المسرف في جوره كلا ولا المسرف في عدله ونقل طقزتمر من حماة إلى حلب مكان أيدغمش ودخلها في عشري صفر وتولى نيابة حماة مكانه الأمير العالم علم الدين الجاولي ثم نقل الجاولي إلى نيابة غزة وولي نيابة حماة مكانه آل ملـك ثـم بعـده الطنبغـا الماردانـي كل هذا في مدة يسيرة وجرى في هذه السنة من تقلبات الملوك والنواب واضطرابهم ما لم يجر في مئات السنين‏.‏

قلت‏:‏ تصول على الملوك صيال قاض قليـل الديـن فـي مال اليتامى وفيها في ذي الحجة وصل إلى حلـب القاضـي حسـام الديـن الغـوري قاضـي الحنفيـة بمصـر الوافد إليها من قضاء بغداد منفياً من القاهرة لما اعتمده في الأحكـام ولمعاضدتـه لقوصـون ولسوء سيرته فإنه قاضي تتر‏.‏

ولي بيتان في ذم حمام هما‏:‏ حمامكم في كل أوصافه يشبه شخصاً غير مذكور شديد برد وسخ موحش قليل ماء فاقد النور فغيرهما بعض الناس فجعل البيت الأول كذا‏:‏ حمامكم في كل أوصافه يشبه وجه الحاكم الغوري وتممه بالبيت الثاني على حاله‏.‏

وفيهـا في ذي الحجة سافر السلطان الناصر أحمد إلى الكرك وأخذ من ذخائر بيت المال بمصر ما لا يحصى وصحب طشتمر والفخري مقيدين فقتلهما بالكرك قتلة شنيعة وبطول الشرح في وصف جراءة الفخري وإقدامه على الفواحش‏.‏

حتى في رمضان ومصادرته للناس حتى أنه جهز من صادر أهل حلب فأراح الله العالم منه وحصن الناصر الكرك واتخذها مقاماً له‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

فيها في المحرم انقلب عسكر الشام على الملك الناصر أحمد وهو بالكرك وكاتبوا إلى مصر فخلع الناصر وأجلس أخوه السلطان الملك الصالح إسماعيل على كرسي بقلعة الجبل واستناب آل ملك‏.‏

وفيها في ربيع الآخر حوصر السلطان أحمد بالكرك واحتج عليه أخوه الصالح بما أخذه من أموال بيت المال وحصل بنواحي الكرك غلاء لذلك‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة توفي نائب دمشق أيدغمش ودفن بالقبيبات ويقال إن دمشق لم يمت بها من قديم الزمان إلى الآن نائب سواه وتولاها مكانه طقزتمر نائب حلب‏.‏

وفيها في رجب وصل الأمير علاء الدين الطنبغا المارداني نائباً إلى حلب‏.‏

وفيها في شهر رمضان توفي الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني الأديب وقد أناف على الستين وتقدم ذكر وفوده إلى حلب رحمه الله تعالى وزر باليمن وتنقلت به الأحوال وله نظم ونثر كثير وتصانيف‏.‏

وفيها في شوال خرج الأمير ركن الدين بيبرس الأحمـدي مـن مصـر بعسكـر لحصـار الكـرك وكذلك من دمشق فحاصروا الناصر بها بالنفـط والمجانيـق وبلـغ الخبـز أوقيـة بدرهـم وغلـت دمشق لذلك حتى أكلوا خبز الشعير‏.‏

وفيها وصل علاء الدين القرع إلى حلب قاضياً للشافعية وأول درس القاه بالمدرسة قال فيه‏:‏ كتاب الطهارة باب الميات فأبدل الهاء بالتاء فقلت أنا للحاضرين‏:‏ لو كان باب الميات لما وصل القـرع إليـه ولكنـه بـاب الألـوف‏.‏

ثـم قـال‏:‏ قال الله تعالى ‏(‏وجعلها كلمة باقية في عنقه مكان في عقبه‏)‏ فقلت أنا‏:‏ لا والله ولكنها في عنق الذي ولاه فاشتهرت عني هاتان التنديدتان في الآفاق‏.‏

وفيها في ربيع الآخر عزل الأمير سليمان بن مهنا بن عيسى عن إمارة العرب ووليها مكانه الأمير عيسى بن فضل بن عيسى وذلك بعد القبض على فياض ين مهنا بمصر وكان سليمان قد ظلم وصادر أهل سرمين وربط بعض النساء في الجنازير وهجم عبيده على المخدرات فأغاثهم الله في وسط الشدة ثم أعيد بعد مدة قريبة إلى الإمارة‏.‏

وفيها توفي بحلب الأمير الطاعن في السن سيف الدين يلبصطي التركماني الأصل رأس الميمنة بها وكان قليل الأذى مجموع الخاطر‏.‏

وفيهـا توفـي بحلـب طنبغـا حجـي كـان جهزه الفخري إليها نائباً عنه في أيام خروجه بدمشق وهو الذي جبى أموالاً من أهل حلب وحملها إلى الفخري وأخذ لنفسه بعضها وباء بإثم ذلك‏.‏

وفيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي كان له قبول عند الملك الناصر محمد ووقف لوفاة الكمال فـي العجـم وهـن فلقد أكثروا عليه التعازي قل لهم لـو يكـون فيكـم جـواد كـان فـي غنيـة عـن المهمازي وفيها في رجب اعتقل القرع بقلعة حلب معزولاً ثم فك عنه الترسيم وسافر إلى جهة مصر‏.‏

وفيها في رجب توفي بطرابلس نائبها ملك تمر الحجازي ووليها مكانه طرغاي وفيه تولـى نيابة حماة يلبغا التجباوي‏.‏

وفيها في شعبان وصل القاضي بدر الدين إبراهيم بن الخشاب على قضاء الشافعية بحلب فأحسن السيرة‏.‏

وفيهـا توفـي بحلـب الحـاج علـي بن معتوق الدبيسري وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربته بجانب الجامع‏.‏

وفيها توفي بهادر التمرتاشي بالقاهرة وكان بعد وفاة الملك الناصر الأمراء الغالبين على الأمر‏.‏